الصفرية في الأسواق المالية: هل الرهان على ”الكل أو لا شيء” هو الاستراتيجية الصائبة؟


في خضم المصطلحات المالية المعقدة واستراتيجيات التداول المتنوعة، قد يتردد مصطلح صفرية أو "لعبة المحصلة الصفرية" (Zero-Sum Game) في أذهان بعض المتداولين أو المستثمرين، خاصة عند الحديث عن بعض أنواع الصفقات أو الأسواق. لكن ما الذي تعنيه الصفرية بالضبط في سياق الأسواق المالية، وهل هي حقًا وصف دقيق لكل معاملة؟ فهم هذا المفهوم ضروري لتقييم المخاطر والمكافآت المحتملة.
ما هو مفهوم "الصفرية" في الأسواق المالية؟
يشير مفهوم "الصفرية" في الأسواق المالية إلى نوع من الألعاب أو المعاملات حيث يكون مجموع المكاسب لجميع المشاركين مساويًا تمامًا لمجموع الخسائر. بعبارة أخرى، أي ربح يحققه متداول يأتي بالضرورة من خسارة متداول آخر بنفس المقدار. هذا يعني أن صافي التغيير في الثروة الإجمالية بين جميع الأطراف المشاركة في هذه اللعبة يكون صفرًا.
المعادلة بسيطة: الربح + الخسارة = 0
أكثر الأمثلة وضوحًا على الألعاب الصفرية في الأسواق المالية هي العقود الآجلة (Futures) والخيارات (Options)، وأيضًا سوق الفوركس (Forex) في بعض جوانبه. في هذه الأدوات:
-
العقود الآجلة والخيارات: إذا اشترى متداول عقدًا آجلًا أو خيارًا وتوقع السعر بشكل صحيح وحقق ربحًا، فإن هذا الربح يأتي مباشرة من الطرف الآخر الذي باع العقد أو الخيار وتكبد خسارة. الخسارة التي تكبدها البائع هي بالضبط الربح الذي حققه المشتري (مع إهمال الرسوم والعمولات).
-
الفوركس (تداول العملات الأجنبية): عندما يشتري متداول زوج عملات (مثل EUR/USD) ويرتفع سعره ليحقق ربحًا، فإن هذا الربح يأتي من متداول آخر كان يبيع نفس الزوج وتكبد خسارة.
هل كل الأسواق المالية هي ألعاب صفرية؟
هنا تكمن النقطة الجوهرية. على الرغم من أن بعض الأدوات المالية تعمل بمبدأ الصفرية، إلا أن سوق الأسهم الأوسع على سبيل المثال، أو الاستثمار في الشركات على المدى الطويل، لا يُعتبر لعبة صفرية بالكامل.
في سوق الأسهم التقليدي:
-
النمو الاقتصادي: عندما تستثمر في شركة، فإنك تراهن على نموها وقدرتها على تحقيق الأرباح. إذا نجحت الشركة وزادت قيمتها السوقية (سعر السهم)، فإن جميع حاملي الأسهم يمكن أن يربحوا. هذا الربح لا يأتي بالضرورة من خسارة شخص آخر، بل يأتي من زيادة القيمة الاقتصادية للشركة نفسها، الناتجة عن الابتكار، زيادة الإنتاجية، أو التوسع في الأسواق.
-
توزيعات الأرباح: الشركات يمكن أن توزع أرباحًا على المساهمين من أرباحها التشغيلية، وهذا دخل إضافي لا يُخصم بالضرورة من خسارة متداول آخر.
-
الفرق بين التداول والاستثمار: التداول قصير الأجل، خاصة في المشتقات، يميل إلى أن يكون أقرب إلى اللعبة الصفرية لأن الربح والخسارة يتحددان بشكل مباشر من تحركات الأسعار بين طرفين. أما الاستثمار طويل الأجل في الأسهم، فهو يهدف إلى المشاركة في نمو الاقتصاد وتوليد الثروة، حيث يمكن للجميع (نظريًا) أن يربحوا إذا نما الاقتصاد ككل.
اعتبارات مهمة عند التعامل مع مفهوم "الصفرية"
-
الرسوم والعمولات (Spread & Commissions): حتى في الألعاب الصفرية الحقيقية (مثل العقود الآجلة أو الفوركس)، يجب على المتداولين أن يأخذوا في الاعتبار الرسوم والعمولات التي يفرضها الوسطاء. هذه التكاليف تجعل اللعبة "ذات محصلة سالبة" بالنسبة لغالبية المتداولين على المدى الطويل، حيث أن مجموع مكاسب المتداولين ناقصًا هذه الرسوم والعمولات سيكون أقل من مجموع خسائرهم.
-
المهارة والمعلومات: في الألعاب الصفرية، لا يعني المفهوم أن الربح مستحيل. بل يعني أنك يجب أن تكون أكثر مهارة أو تملك معلومات أفضل من الطرف الآخر لتربح. إنها مسابقة مباشرة.
-
توقعات السوق: في بعض الأحيان، يمكن للمتداولين أن يجنوا الأرباح ببساطة لأنهم اتخذوا قرارًا مبنيًا على توقعات أفضل لتحركات السوق المستقبلية.
خلاصة
إن فهم "الصفرية" في الأسواق المالية يساعد المتداولين على إدراك طبيعة بعض أدوات التداول، مثل المشتقات والفوركس، حيث يكون الربح الفردي مرتبطًا بشكل مباشر بخسارة طرف آخر. ومع ذلك، من المهم التمييز بين هذه الأدوات وأسواق الاستثمار الأوسع، مثل سوق الأسهم، التي تتميز بإمكانية توليد الثروة من النمو الاقتصادي للشركات.
سواء كنت تتعامل مع لعبة صفرية أو غير صفرية، فإن النجاح في الأسواق المالية يتطلب دائمًا المعرفة، التحليل الدقيق، إدارة المخاطر الفعالة، والوعي بالرسوم والتكاليف. الرهان على "الكل أو لا شيء" قد يبدو مغريًا، لكن الواقع غالبًا ما يكون أكثر تعقيدًا ويتطلب استراتيجيات مدروسة تتجاوز مفهوم الصفرية البسيط.