الأحد 19 مايو 2024
محطة مصر

    فن وثقافة

    إقبال زليلة المدير الفني لـ ”قابس سينما فن ”.. نعمل علي أن يتكفل الشباب بالمهرجان في دوراته المقبلة.

    محطة مصر

    «كنا لا نفعل شيئاً. كانت أيامنا راكدة متجمدة متشابهة. فجأة جاءنا مهرجان «قابس سينما فن» وأحضر معه نبض للحياة يفيض بالألوان.» كان ذلك رد أحد الشباب القابسي حين سألته عن أحوال المدينة، والتي اكتشفت بها جانباً آخر شاهدته بعيني.

    في اليوم الأخير من فعاليات مهرجان «قابس سينما فن» اصطحبنا محمد أمين فنان الصبغات التونسي للقيام بجولة داخل «متحف العادات والتقاليد التونسي» الذي فتح أبوابه لنا يوم العطلة. كان بصحبتنا صحفي فرنسي شاب رسم التاتو على أصابع يديه، وبدا مهتماً بكثير من تفاصيل المتحف ومواده. اندهش لتوقف الجولة فجأة عقب الآذان، فأخبرته أنه وقت صلاة الجمعة، وهو أمر مقدس لدى المسلمين، فأبدى تفهمه.

    في الطريق إلي المتحف توقف الفنان التونسي لتمويل سيارته بالبنزين. كانت محطة الوقود هناك عبارة عن مجموعة من الجراكن المتراصة، وإلي جوارها انتصبت مجموعة آخرى من الزجاجات البلاستيكية. حمل صاحب المحطة ثلاث زجاجات و«قُمع» بلدي ليكون حلقة الوصل من الزجاجة إلي خزان الوقود بالسيارة.

    أخبرني محمد أن هذا الوقود قادم من ليبيا بسعر أرخص، لكن به بعض الشوائب، لذلك من الأفضل تبديله كل عدة مرات حتي لا يُؤثر على موتور السيارة. لاحقاً فهمت أن الحكومة تعلم بذلك البنزين المُهَرَّب لكنها تغض الطرف بسبب تردي الظروف الإقتصادية.

    عزيمة لا تلين، وإبتكار بلا حدود

    في تلك المدينة - التي تحتوي على أهم واحة نخيل على امتداد المتوسط - بدت لي الحياة خشنة، شديدة القساوة. الحر كان شديداً حد الجحيم نهاراً، ونسمات الهواء العليل ليلا تطوف حولنا بشكل ساحر. أجلس على عتبة الحديقة خلف خشبة المسرح يشغله المطربون - ليلاً - عقب انتهاء العروض السينمائية والمناقشات، كي أستمتع بنسمات الهواء، أتأمل أغصان النخيل تتمايل راقصة تخايل السماء وقمرها، غير مصدقة أنني أعيش لحظة استمتاع بالهواء بعد جحيم الحر نهاراً.

    المؤكد أن ارتفاع درجة الحرارة في هذه المدينة ساهم فيه التلوث الخطير بسبب المجمع الكيميائي الذي تسبب عنه موت الكثيرين بالمرض الخبيث. السماء تعلن ذلك في وضوح تام، فالسحب الرمادية الداكنة تحجب رؤية السماء الصافية. كذلك التلوث البصري بالأكياس والمخلفات على امتداد الطريق من وإلي المدينة واضح ومؤلم.

    رغم ذلك وسط هذه الأجواء هناك إناس من أهالي المدينة لديهم عزيمة لا تلين، ومحاولات لتحسين ظروفهم وأوضاعهم. فنان الصبغات محمد أمين نموذج لهذا الإنسان المثابر الذي يحاول اختراع ورق من النبابات الطبيعة ويُحيلها إلي أعمال فنية بديعة متفردة. أثناء زيارتنا له في مختبره ومخبأه الفني الخاص، شاهدنا محاولاته مع أغصان ورق أشجار نباتات مثل التوت، الموز، الحلفاء، الحناء والسعف، شرح لنا عملياً المراحل المختلفة لإختراعه، إضافة إلي لوحاته وخصوصية بصمته. إنه يدرس الفنون، فليت السلطات التونسية تُتيح لمحمد أمين - وأمثاله من المبدعين - تدريس إختراعاته في الكليات والمعاهد الفنية.

    ما سبق كله لا يُمكن أبداً أن ينفصل عن رغبة منظمي مهرجان «قابس سينما فن» في المساهمة في تطوير تلك المدينة، ومحمد كان جزءاً وفرداً منهم. الموضوع ليس فقط مهرجان لاستهلاك السينما بالمشاهدة، لكن الفكر كان له مكان وهذا ما يتضح من حوارانا مع الناقد السينمائي والمحاضر إقبال زليلة. إنه أستاذ جامعي، حاز على دكتوراه في الدراسات السينمائية من جامعة السوربون. يُحاضر حالياً في الدراسات السينمائية. له العديد من الدراسات حول النظرة الاستشراقية. شغل منصب المدير الفني لمهرجان قرطاج السينمائي عدة سنوات، وهو المدير الفني كذلك لمهرجان قابس سينما فن.

    سألته عن التوجه الذي تبناه المهرجان في دورته الثالثة والذي يهدم - أو يتجاوز - الحدود بين الأنواع الفيلمية فأجابني:

    فيما يخص التوجهات العامة في قسم السينما بمهرجان «قابس سينما فن»، هناك رغبة من الإدارة الفنية أن تقطع مع التصنيف السائد بالمهرجانات التي تعني بالسينما سواء العربية أو بصفة عامة، ذلك التصنيف الذي يُفرق بين السينما الروائية والسينما التسجيلية والتجريبية. بمعنى أن الخط التحريري الواضح هو كونه فيلماً سينمائياً في المسابقتين الطويلة والقصيرة، حيث تم اختيار أفلام روائية وتسجيلية وتجريبية. هذا كان قرارنا من منطلق أننا اخترنا أفلاماً أعجبتنا بغض النظر عن المقاربات والأنواع السينمائية.

    كيف وُلد إقتراح أن يكون هناك تواجد فكري أكثر للثقافة السينمائية؟

    كان من الضروري تخصيص قسم مهم من حيث المساحة المخصصة لمحاولة التفكير في السينما وأطلقنا على هذا القسم عنوان «فن وفكر».. يتكون من عدة أقسام؛ الأول منه هو مائدة مستديرة، حيث نجتمع للنقاش حول معنى «مشروعية المشروعية التي تخفيها السينما الغربية علي السينما العربية». تم الجلسات على مدار ثلاثة أيام تقريباً، بمشاركة أكاديميين وفاعلين في المجال السينمائي ومخرجين، منتجين، كتاب ونقاد، كذلك بمشارك أكاديميين من العلوم الإجتماعية والفلسفية، كما من التاريخ ومن الجغرافيا. هذا قسم من أقسام «فن وفكر».. الفكرة ربما جاءت من منطلق أنه من الضروري مواكبة الفن السينمائي فكرياً، لأن في تقديرنا العلاقة في السينما ليست علاقة استهلاكية بحتة، وإذا أردنا تطوير السينما في المنطقة العربية فمن الضروري إرساء تقاليد التفكير التي يساهم فيها كل الفاعلين من الجامعات، مدارس السينما خصوصا، المعاهد السينمائية، المؤسسات السينمائية وكل القطاعات المهتمة بالسينما، إن هذا هو الهدف من وراء إرساء قسم «فن وفكر». أما الجزء الثاني من هذا القسم «فن وفكر» هو ورشة كتابة نقدية مع الطلاب ومع صحفيين مبتدئين، وبينهم أيضاً مجموعة تمتلك تجربة سابقة لكنهم أرادوا المشاركة.

    في نقاش المائدة المستديرة ضمن قسم «فن وفكر»، تم التركیز على مجموعة من المحاور التي تخص ھذه الصناعة وتناقش مختلف تحدیات تموقعھا المحلي والعالمي، هل تُخبرنا بما توصلتم إليه؟

    الموضوع، ككل، يعتمد على تشخيص قمنا به عن الأفلام العربية في المهرجانات السينمائية الكبرى، هو أن حضورها محتشم، ويقتصر على نوعية معينة من الأفلام، هناك نوع من التنميط الذي يستجيب لإيملاءات ضمنية، بمعنى أن تكون مخرجة أو مخرج عربي متواجد في مهرجان كبير مثل كان السينمائي أو فينيسيا، فمن المستحسن - كونك صانع أفلام - أن تخضع لكُراس شروط ضمنية، عادة تنطوي على ما يتمثله الغرب أنه «سينما الشرق»، أو أنه المجتمع الشرقي. هذا هو المنطلق. المائدة المستديرة كانت محاولة لتفكيك هذه الإشكالية. رصدنا العلاقات والتمثلات المتقاطعة شرقاً وغرباً، بمعنى المنطلقات الفكرية عندي كانت الاهتمام بالدراسات ما بعد الاستعمار ـ البوست كولينيالية - في بحوثي هذه وجهة نظر. كذلك اعتمدنا علي المداخلات مع التاريخ الثقافي. ما صار في اليوم الأول صارت مداخلة لفيلسوفة تونسية مهمة جدا، حاوت تفكيك إشكالية المناقشة من وجهة نظر بوست كولينيالية، وكولينيالية رغم أنها ليس لها علاقة متينة بالسينما، أي ليست من المتخصصين في الفن، لكنها قادمة من الفلسفة السياسية.

    لاحظت أنك منحت فرصة لآخرين لطرح أفكارهم ومنهم المخرج اللبناني غسان سلهب والمشهود له بصناعة أفلامه الخاصة، فرغم خصوصية أعماله وعدم خضوعها للتنميط الاستشراقي لكنها تجد مكاناً لها في مهرجانات السينما العالمية الكبرى، أليس هذا يتناقض مع الفكرة المحورية لمناقشتكم؟

    من بعد المداخلة المعنية بالنظرة الفلسفية السياسية انطلقنا وأعطينا الكلمة لآخرين ليتفاعلوا معها، هذا التداخل مهم، فقدم غسان سلهب مداخلة معها. اخترت غسان عنوة لأنه مخرج في تقديري مهم، لكنه مع ذلك مخرج أقليات، بمعنى أنه يصنع أفلاماً لا تستهدف الجمهور العريض، لكن كموقعه في هوامش السينما العربية هو تموقع إرادي وسياسي في نفس الوقت. هو الذي اختار أن يكون هامشياً. وهذا في تقديري مهم لأن مهرجان «قابس سينما فن» يهتم ضمنياً بمقترحات فنية تعتبر هامشية في السينما العربية، ومقترحات غير مركزية، ليست مهمة، ولكنها متواجدة علي الهوامش لأن الفنان اختار أن يكون أقلياً وهامشياً.

    هل اختيار هذه التيمة «مشروعية المشروعية» والتي إلى حد كبير تناقش الاستشراق .. هل الفكرة نابعة من مجال دراساتك وتخصصك في هذا المجال.. أم كيف ولدت الفكرة؟

    نبعت الفكرة من مواكبتي لعدة مهرجانات في الغرب. فالفكرة ليست نظرية. لقد حضرت عدة مهرجانات منها كان وبرلين وفينيسيا وموسكو، وغيرهم من المهرجانات. أثناءها كنت أتأمل ما هى الأفلام العربية المتواجدة. لكن مع ذلك الكلام الذي نقوله لا يمكن أن يكون قطعياً ونهائياً على الخط.. من زاوية آخرى هناك حضور لسينما مختلفة مثلاً علاء الدين سليم، وتامر السعيد. هذه ليست سينما منمطة. هذه السينما في تقديري متجذرة. فهذه السينما ليست لا تخضع لسياسة التنازلات للغرب، هناك استثناءات بين السينما المهمينة التي يقع الاختيار عليها بتلك المهرجانات التي هى سينما منمطة. إنها مجموعة من المواضيع، الشكل بها ليس مهماً، لكن معناها أن نُحبز الواقعية في مفهومها البسيط جدا، عندها تاريخها وسياقاتها.

    هل تعتقد أن فيلم «ستموت في العشرين» هو أحد هذه الأفلام التي خضعت ولو قليلاً للتنميط؟

    ليس قليلاً.. هذا الفيلم في قلب التنميط. هذا الفيلم استفزني جمالياً، لكنه على مستوى الخطاب هو فيلم خطير جداً، لأنه يقول في أحد مشاهده أن انعتاق شاب يمر من خلال اغتصاب امرأة، حتي وإن كانت المرأة مومس، فلأنها مومس تُغتصب، حتى وإن كان الإغتصاب مُزين نوعاً وهناك محاولات لتبريره، فهو يربط بين تحرر الشاب والإغتصاب. الفيلم بمنظومة الإنتاج الخاصة به، وبرؤية المنتجين له تجدي فيلم يستجيب لكراس شروط واضح، شروط على المستوى البصري والإنثروبولوجي.

    هذا بدوره يختلف تماماً عن فيلم «الحديث عن الأشجار» رغم أنه أيضاً إنتاج مشترك، مع ذلك لا نجد فيه هذه النظرة الاستشراقية؟

    فيلم «الحديث عن الأشجار» هذا عمل سينمائي حر، وبعيد عن التنميط نهائياً، لكن حتى وجه المقارنة نجد أن «ستموت في العشرين» يُصبح هو المعيار، بمعنى إذا أردت أن تنجح فهذا هو القدوة، هذا هو الخطاب. وخطورة هذا أنه يقتل التنوع علي مستوى السينما العربية، فيخلق أفلاماً تتشابه، والكل فرحان بهذا.. فالمخرج فرحان لأن هناك اعتراف دولي به، والمنتج الذي ساهم أو المهرجان الذي ساهم يعتبر أنه يقوم بمهمة إنسانية كبرى بمساعدة مخرجين من الجنوب بصفة عامة، بتسليط الأضواء على سينما أقلية، وهذا كله مخطيء، وبه مغالطات.

    إذا عدنا لمهرجان «قابس سينما فن».. ما هى توقعاتك وأحلامك وآمالك للدورة القادمة منه؟

    أتمنى أن المهرجان يتمكن من خلق حركة ثقافية علي مستوى قابس، أن نتمكن من تكثيف الأنشطة علي طول السنة، لأن قابس فيها جامعات فيها طلاب. توقيت برنامج المهرجان هذا العام كان صعب كثيراً، لأنه تزامن مع امتحانات الثانوي، كذلك الجامعات كان جانب منها عنده امتحانات، إضافة إلي الحرارة الشديدة والرطوبة الزائدة، وكورونا.. ثمة أشياء كانت تُشكل ثقل على هذه الدورة، لكن الدورات القادمة سنعود لتنظيمه في موعد أفضل. سيكون الهدف ربما تعميق تجذر المهرجان في قابس، لأن الساهرين علي المهرجان من قابس ومن تونس، وهناك علاقات في بعض الأحيان تكون متوترة قليلاً بين العاصمة والأطراف، فقد يقولون هنا إنهم قادمين من تونس العاصمة.. والفكرة التي نسعى لتحقيقها أن نُكَّون نواة في جميع الأقسام، سواء في التنظيم، أو في الإدارة الفنية، وفي التنسيق. نريد أن الشباب يأخذوا المهرجان ويتكفلوا به في السنوات المقبلة. وهذا ما نعمل عليه.

    أعتقد أيضاً أنه من المهم أن يلعب المهرجان دوراً في قضية التلوث الكيميائي التي تعاني منها مدينة قابس؟

    هذه أيضاً إشكالية آخرى معقدة، فمشكلة التلوث موجودة بقوة، لكن المعضلة أن ثلث المدينة يعيش من وراء عمله في مجال التلوث، حيث يعملون بالمجمع الكيميائي، والمعاشات التي يتحصلون عليها من هذا المجمع الكيميائي عالية جدا.. فبرجوازية المدينة تتكسب موارد عيشها من التلوث ومن هذه المصانع التي تخلق التلوث. ليس هناك بدائل للعمل. إنها معضلة. الناس تقول: «أنا ناكل منه، ونُطعم صغارنا منه. ووالدي كان يشتغل فيه..» معنى ذلك أن هناك إقرار بوجود التلوث، وليس هناك إجماع على التخلي عن المجمع الكيميائي لأنه مصدر رزق لجزء لا بأس به من أهالي المدنية.

    وماذا عن مشاريعك على المستوى الشخصي؟

    أنا أستاذ جامعي، دكتور أحاضر في الدراسات السينمائية، لمرحلة ما يسمى بالتأهيل الجامعي، وعندي كتاب علي جزء من السينما العربية عن «إشكالية الشكل كمقاومة» يتناول تجاوز الخطاب السياسي، ومساءلة الأشكال السينمائية من منطلق أنه من خلال الشكل تكمن المقاومة الفنية، عندي قناعات - قريب جداً منهجيا من مدرسة النيوفورماليزم - بضرورة الاهتمام بالشكلانية.. فانطلاقاً من الشكل يمكن أن نبني أشياءاً على المستوي السياسي والجمالي.

    مهرجان قابس سينما فن سينما تسجيلية سينما رولئية إقبال زليلة

    أسعار العملات

    العملةشراءبيع
    دولار أمريكى​ 29.526429.6194
    يورو​ 31.782231.8942
    جنيه إسترلينى​ 35.833235.9610
    فرنك سويسرى​ 31.633231.7363
    100 ين يابانى​ 22.603122.6760
    ريال سعودى​ 7.85977.8865
    دينار كويتى​ 96.532596.9318
    درهم اماراتى​ 8.03858.0645
    اليوان الصينى​ 4.37344.3887

    أسعار الذهب

    متوسط سعر الذهب اليوم بالصاغة بالجنيه المصري
    الوحدة والعيار الأسعار بالجنيه المصري
    عيار 24 بيع 2,069 شراء 2,114
    عيار 22 بيع 1,896 شراء 1,938
    عيار 21 بيع 1,810 شراء 1,850
    عيار 18 بيع 1,551 شراء 1,586
    الاونصة بيع 64,333 شراء 65,754
    الجنيه الذهب بيع 14,480 شراء 14,800
    الكيلو بيع 2,068,571 شراء 2,114,286
    سعر الذهب بمحلات الصاغة تختلف بين منطقة وأخرى

    مواقيت الصلاة

    الأحد 09:10 صـ
    11 ذو القعدة 1445 هـ 19 مايو 2024 م
    مصر
    الفجر 03:19
    الشروق 04:59
    الظهر 11:52
    العصر 15:28
    المغرب 18:44
    العشاء 20:13

    استطلاع الرأي