ماتت وهي تتلو القرآن ....قصة حياة المطربة ”ألمظ ”وحبها وزواجها من عبده الحامولي
نيرمين حسين محطة مصر
قصة غريبة من نوعها، بدأت مع نزول شاب سوري إلى مصر ليتخذ من حي "باب الخلق"سكنا له ودرس في الأزهر، ثم عمل بالأعمال الحرة ثم تزوج بإحدى المصريات وأنجب منها 4 فتيات؛ حيث كان يعيش في رغد هو وأسرته إلا أنه وافته المنية وترك زوجته وبناته.
لم يمر بعض أعوام إلا ولحقت به زوجته وكفل البنات أحد أقربائها حتى تزوجت البنات، فالأولى تزوجت من متعهد سراية الخديوي في ذلك الوقت والثانية تزوجت من عالم أزهري والثالثة تزوجت حفيد أحمد باشا أبو ودان حكمدار "مدير الأمن" في السودان وهو حسن أبو ودان التشريفاتي في أحد قصور الخديوي إسماعيل, أما الأخيرة وأصغرهن هي سكينة أو الشيخة سكينة أو "ألمظ "كما اشتهرت.
كانت ألمظ تتميز بقوام رشيق وجمال لم يوصف وكان صوتها عذب بالإضافة إلى تربيتها الدينية حيث كانت ترتل القرآن بأنغام رائعة, وأثناء تلاوتها القرآن في إحدى المرات سمعها زوج شقيقتها "حسن أبو ودان"، وطلب من فنان القصر الاهتمام بها فنيا.
صادفت أثناء تدريبها على يد فنان القصر سمعها الخديوي إسماعيل فأعجب بصوتها وعند ما عرف قصتها أمر بالاهتمام بتثقيفها بجانب تدريبها على يد أكبر المغنيين والمنشدين ضمها إلى جواري القصر, رغم ذلك إلا أنها احتفظت بحجابها، بحسب ما نشرته مجلة الكواكب في 29 ديسمبر 1953.وبسبب نشأتها ظلت ألمظ متمسكة بحشمتها ولا تغني إلا من وراء حجاب، وكان الخديوي يستمتع إليها من وراء حجاب فأفاض عليها بالكثير من المجوهرات وكان "باش أغا" يدللها بقوله "يا ست ألمظ" فسمعه الخديوي وأعجب بهذا الاسم وأطلق عليها "ألمظ".
وحافظت ألمظ على مبادئ تعليمها الدينية وعرف عنها الخلق الكريم وطيب القلب ورغم عشقها للغناء كانت تحافظ على صلاتها وصيامها فالغناء لا يتعارض مع التقرب إلى الله والسعي وراء طاعة الله فهو هدفها الأول والأخير فكان جيرانها يتسابقون للنهوض في منتصف الليل للتهجد لأن ألمظ كانت تتهجد الثلث الأخير، ثم تقرأ ما تيسر من القرآن بصوتها الـ ـملائكي الصافي.
رغم تعهد ألمظ أمام نفسها بأن تظل وفية لخطيبها شهيد الغربة الذي كان يتعلم الطب في الخارج فوجئت بموته في الغربة وكانت تناجي روحه في كثير من أغانيها منها:
خبط الهوى على الباب .. قلت الحليوة أهو جالي
أتاري الهوى كداب.. يضحك على قلب خالي
لكن كان لظهور عبده الحامولي في حياتها تغيير هذا الواقع؛ حيث انتشر وذاع صيته أيضا كما ذاع صيت ألمظ وكان لا يجتمعان في فرح واحد إلا وهي تطرب للسيدات وهو يغني للرجال،وفي أحد الأفراح أبدعت ألمظ في غنائها وأطلق سهام صوتها العذب في قلب عبده الحامولي, فلم يقدر على نسيان صوتها الملائكي ،أما هي فكانت تقدر فنه، واجتمعا في فرح أنجال الخديوي إسماعيل الذي استمر 40 يوما في سنة 1873 لكن كبريائهما منعهما من أن يصارحا بعضهما حتى اجتمعا في عرس بحي الجمالية فإذا بألمظ تبدأ وتصرح بحبها لعبده الحامولي في غنائها وتقول:
رد ياللي تروم الوصال.. وتحسبه أمر ساهل
ده شيء صعب المنال. وبعيد على كل جاهل
فوجدت عبده الحامولي يرد عليها بحبه ويقول:
روحي وروحك حبايب.. من قبل دي العالم
وأهل المودة قرايب.. سلمى مع سالم
وسعى الجمهور إلى تقريبهما إلى بعضهما البعض في أكثر من عرس، وتزوج عبده الحامولي بألمظ، إلا أنه منعها من الغناء ،واعتزلت وتوفيت في 4 يناير 1879 وهي على فراشها تتلو القرآن الذي بسبب تلاوتها اشتهرت وبسببه أيضا عرفها الملايين وترحم عليها وحزن عليها عبده الحامولي مع أبناء الشعب ورثاها في عدة أغاني له فمنها:
شربت المر من بعد التصافي .. ومر العمر ما عرفتش أصافي
عداني النوم وأفكاري توافي.. عدمت الوصل يا قلبي عليه.
ورغم أن ألمظ لم تكن الأولى في حياته الا انه كان دائم الحديث عنها في مجالس أصدقائه وكان يزور قبرها باستمرار، وعند ما علم الخديوي إسماعيل بوفاة ألمظ كسر قراره وسمح لأهلها بالمرور بجثمانها أمام قصر عابدين.