مهرجان كارلو في فاري السينمائي عودة صاخبة في الدورة الخامسة والخمسين
د. أمل الجمل كارلو في فاري«هذا أكبر وأطول تصفيق تلقيته على الإطلاق، وهذة أيضًا أثقل جائزة حملتها في حياتي. عندما أعود بذاكرتي وأتأمل حياتي، وعندما يُقال أن هذه الجائزة لإنجاز حياتي، هنا أتذكر كيف بدأت كشخص قادم من العدم، بدأت من اللامكان، وكنت لا أعرف شيئًا، لكني كنت أحاول أن أعرف وأتعلم. كنت أتجول بلا هدف باستثناء أن أعرف وأتعلم، ثم تدريجياً حققت أشياء، والله وحده يعلم كيف فعلت ذلك. أعترف أنني كنت محظوظاً جداً جداً. كنت دائمًا سعيدًا جدًا لأنني قادر على فعل ما أقوم به. والآن أحصل على هذه الجائزة. شكرًا جزيلاً لكم، لقد منحني مهرجان كارلوفي فاري جائزة عن شيء أحبه.»
إنها كلمات الممثل البريطاني المرموق السير مايكل كين عقب تسلمه جائزة «الكريستال جلوب» لمساهمته الفنية البارزة في السينما العالمية، وذلك ليلة إفتتاح مهرجان كارلوفي فاري ليلة أمس لفعاليات دورته الخامس والخمسين والتي تمتد حتى يوم ٢٨ من الشهر الجاري.
بعد تأجيل مرتين وغياب عام كامل بسبب وباء كورونا، أخيراً افتتح مهرجان كارلوفي فاري فعالياته بعرض أدائي راقص بديع معبر عن لوجو المهرجان. صمم الكريوجرافي للعرض فرقة الأخوان كابان، التي ارتبطت بالمهرجان قبل خمسة وعشرين عامًا، وهناك كتاب عن ذلك يصدر عن المهرجان بعنوان «فاري ٢٥ عاماً» VARY25».. في أعقاب ذلك رحب رئيس المهرجان ييري بارتوشكا بالجمهور وضيوف كارلوفي فاري، وسلم الجائزة لمايكل كين. ثم عُرض فيلم كوميدي رياضي سيرة ذاتية عن الرياضي التشيكوسلوفاكي «زاتوبك» عداء المسافات الطويلة الذي حصد الميدالية الذهبية في الأولمبياد أربع مرات، وكان أيقوونة جيل كامل.
كانت ليلة لا تُنسى بكل تفاصيلها التي اختتم بعرض موسيقي درامي بديع استمر حتى الساعات الأولى من الصباح وحشود الجماهير تقف في صمت لا يقطعه سوى صوت الموسيقي والغناء وأصوات التصفيق الصاخب والمدوي عقب كل فاصل غنائي.
وكل ما سبق ليس غريباً ولا جديداً على كارلوفي فاري، وإن كان دائم التجدد والحيوية. إنه المهرجان الأول والأعرق والأبرز في وسط وشرق أوروبا، ويظل هو القِبلة الأوروبية الأولى لعشاق السينما والمواهب العالمية، إذ يحضره نحو عشرة آلاف مشاهد سنوياً، فالحشود مثلاً أمام حفل الكونسيرت وقفت تستمتع مجاناً للموسيقي خارج إطار له سياج يحيط منطقة خُصصت للنجوم وضيوف الحفل، وإلي جوار المسرح وضعت شاشة ضخمة - تكاد تكون في نفس حجم خشبة المسرح التي تقف عليها الفرقة الموسيقية - حتى يتابع الجمهور المغنيين والعازفين.
إضافة إلى ذلك، فإنه تُباع في كلّ دورة للمهرجان نحو 120 ألف تذكرة. بينما يحضره سنوياً نحو 800 من المنتجين والموزّعين والمُبرمجين ومختلف الفئات العاملة في صناعة السينما، وما يقرب من 700 صحفي، من شتى أنحاء العالم.
نشأة ومولد
في القرن الماضي عندما كان العالم قد خرج للتو من حرب عالمية ثانية، كانت هناك رغبة قوية تجتاح الكثيرين في التأكيد على أن الحرب العالمية الثانية قد انتهت وأن الشفاء يمكن أن يبدأ بالثقافة، والفنون. من هنا، ومن رحم تلك الرغبة ولد مهرجان كارلوفي فاري، وربما من رحم تلك الرغبة أيضاً ولدت مهرجانات آخري.
تأسس المهرجان التشيكي العريق في يوليو ١٩٤٦، قبل شهر واحد من إطلاق لوكارنو لدورته الأولى، وقبل أشهر قليلة من انطلاق الدورة الأولى لمهرجان كان السينمائي في سبتمبر من نفس العام. أُقيم المهرجان في البداية في مدينة ماريانسكي لازنى، وهي مدينة تشيكية مجاورة تشتهر بجمال طبيعتها أيضاً وبأنها منتجع استشفائي عالمي تم ضمه مؤخراً لمنطقة التراث العالمي التابعة لليونسكو.
بعد عام واحد من مولده انتقل المهرجان إلي كارلوفي فاري مدينة الينابيع الساخنة، التي تضمّ عشرات المُنتجعات الصحية - التي انضمت أيضاً إلي مركز التراث العالمي - والتي بناها الملك كارل الرابع عام 1370. إنها مدينة لا تقل جمالا ولا بهاء عن نظيرتها ماريانسكى، حتى أنه يُقال من شدة جمال عمارتها الساحرة، بألوانها ومعمارها الآخاذ، فإن هتلر أمر جنوده بألا يُطلقوا رصاصة واحدة على أي من المباني التي ينتصب أغلبها على نهري "تيبلا" و«أوري».
كذلك، تشتهر فاري بينابيعها ذات المياه الساخنة الكثيرة العدد، والتي تبلغ ١٣ ينبوعاً رئيسياً، إضافة إلي ٣٠٠ ينبوع صغير.. والمدهش أنها جميعاً تتفاوت في درجة حرارتها، فبعضها دافيء، والبعض الآخر شديد السخونة. لذلك سترى في شوارعها جميع الناس - تقريباً - يحملون أكواباً فخارية ويشربون تلك المياه على مهل.
من ناحية آخرى، تشتهر كارلوفي فاري بالكريستال، إذ تُعتبر منذ عقود طويلة، من أهم المدن الأوروبية المُتخصّصة في صناعة الكريستال (البلور) بأشكال وأحجام وألوان مختلفة. لذلك، نجد أن شعار المهرجان وجميع تماثيل جوائزه عبارة عن تمثال على هيئة امرأة جميلة مجردة من أي ملابس، تنتصب في رشاقة وترفع بين يديها وأعلى رأسها كرة كريستالية. لذلك أيضاً سنجد التمثال الذي تسلمه ليلة أمس النجم البريطاني السير مايكل كين عبارة عن هذا التمثال الكريستالي البلوري البديع والذي صنع عنه المهرجان عددا من الأفلام القصيرة الساخرة والمضحكة بصحبة النجوم الذي تسلموه عبر سنوات سابقة، وتعرض تلك الأفلام القصيرة قبل كل عرض سينمائي للجمهور.
ختاماً، لاشك أنها دورة التحدي الكبير بسبب تعقيدات كوفيد ١٩، مع ذلك فالبشاير تقول أنها ستكون دورة شديدة التميز رغم أي صعاب واجهتها، خصوصاً أن قبل بداية المهرجان بدأت المدينة تزدحم بالزوار من الضيوف الأجانب وأهالي التشيك الذين ينتظرون تلك الإحتفالية الفنية الثقافية السينمائية منذ عامين.